المسجد الحرام هو أعظم مسجد بنيّ في الإسلام ويقع في قلب مدينة مكة في تهامة غرب المملكة العربية السعودية، تتوسطه الكعبة المشرفة التي هي أول بيت للناس وضع على وجه الأرض، وهذه هي أعظم وأقدس بقعة على وجه الأرض عند المسلمين، ولأهمية المسجد البالغة لدي المسلمين أولي الخلفاء الراشدين ومن بعدهم الحكام والملوك اهتماما كبيراً بتوسيع مساحة المسجد نظراً لتزايد أعداد المسلمين في العالم وكانت أول توسعة للمسجد في التاريخ على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عام 17 للهجرة ومن بعدها وحتى اللحظة لاتزال توسعة المسجد في اتساع، ومشاريع توسعة الحرم المكي تتم لهدفين أساسيين: أولهما استيعاب أكبر عدد ممكن من زوار البيت الحرام من المعتمر والحاج، أما ثانيهما فهو تقديم الخدمات والتيسير على الحاج وجعل أداء المناسك أكثر سهولة وأمناً.
نبذة عن توسعة المسجد الحرام علي مر التاريخ:
شهد الحرم المكي الشريف على مدار التاريخ العديد من التوسعات بدأت في عهد الخلفاء الراشدين ولا تزال مستمرة حتى وقتنا الحالي.
- الخلفاء الراشدين
– بدأت أولى عمليات التوسعة في عام 17 هـ وتحديداً في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، حيث قام بتوسعة مساحة المسجد لتبلغ 260 متراً مربعاً، بعدما اشترى بعض البيوت القريبة من الحرم، فيما تبرع آخرون بالبعض الآخر ثم هدمها، وأحاط المسجد بجدار قصير.
– ثم جاء الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان بتوسعة مساحة المسجد أكثر إلى ما يقرب من 4390 متراً مربعاً، حيث عكف إلى ما عكف إليه عمر في السابق حيث اشترى البيوت التي ظلت قريبة من الحرم وهدمها، وأدخل الأعمدة الرخامية إلى المسجد، وذلك عام 26 هـ.
- الدولة الأموية
أما الدولة الأموية فقد شهدت توسيع الحرم على مرحلتين:
– أولهما على يد الصحابي عبدالله بن الزبير عام 60 هـ إذ أعاد بناء الكعبة إثر حريق شب في ثوب الكعبة وخشبها.
– بينما كانت التوسعة الثانية في عهد الأمويين والرابعة في التاريخ الإسلامي على يد الوليد بن عبدالملك عام 91 هـ، مستغلاً تسبب سيل جارف في زيادة مساحة المسجد، كما زاد من الأعمدة التي جلبها من مصر وسوريا، وشيد شرفات يستظل بها المصلون.
- الدولة العباسية
وقد شهدت الدولة العباسية ثلاث مراحل للتوسيع:
– أولهما على يد الخليفة أبي جعفر المنصور واستمرت ثلاث سنوات، حيث بدأت من 137 إلى 140 هـ، وقد زيد فيها مساحة الركن الشمالي للحرم، فضلاً عن تغطية فوهة بئر زمزم، وإعادة تصميم حجر إسماعيل بالرخام.
– وجاء المعتضد بالله في المرحلة الثانية للتوسعة التي استغرقت ثلاث سنوات أيضا، من عام 281 إلى 284 هـ، لينشئ عدداً من الأبواب داخل وخارج الحرم المكي كما زاد الأعمدة.
– ثم جاءت المرحلة الثالثة والتي أنشأ المقتدر بالله “باب إبراهيم” ليزيد بذلك أيضاً من مساحة المسجد، وذلك في عام 306 هـ.
توسعة المسجد الحرام في العصر الحديث:
ولاتزال المملكة العربية السعودية تولي اهتماماً خاصاً بمشاريع توسعة الحرم
– بدأها الملك عبدالعزيز الذي شهد عهده صيانة المسجد وإصلاحه بالكامل عام 1344 هـ، ثم ترميم الأسقف وطلاء الجدران والأعمدة، وتم تجديد مصابيح الإنارة وزيادتها إلى الألف مصباح عام 1347 هـ، وإنارة المسجد الحرام بالكهرباء وتنصيب المراوح الكهربائية عام 1373 هـ.
– وفي الوقت الذي وصلت فيه مساحة المسجد إلى 28 ألف متر مربع، جاء الملك سعود بن عبدالعزيز ليستمر في أعمال التوسعة التي بدأت عام 1375 هـ، واستمرت نحو 10 سنوات، وشملت فتح شارع خلف الصفا، وإعادة تصميم أرض المسعى، وبناء طابقين للمسعى، وبناء سقيا زمزم، وتوسعة المطاف، وزيادة قبو زمزم بصنابير المياه، واستبدال الشمعدانات الست بحجر إسماعيل بخمس نحاسية تضاء بالكهرباء.
– وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، تم وضع حجر الأساس لمشروع “أكبر توسعة للمسجد الحرام منذ 14 قرناً” الذي بدأ عام 1409 هـ، وشمل إضافة مساحة جديدة إلى الناحية الغربية للمسجد، وإضافة مبنى جديد إلى الحرم لاستقبال الزيادات في الحج ومواسم العمرة، وتضمنت أعمال التوسعة تجهيز الساحات الخارجية لاستيعاب المصلين، ووصلت مساحة المسجد حينها 356 ألف متر مربع.
– وأخيراً دشن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، التوسعة الثالثة للمسجد الحرام التي تقدر تكلفتها بمليارات الدولارات، وتتألف من خمسة مشروعات تشمل مبنى التوسعة والساحات والأنفاق ومبنى الخدمات، والطريق الدائري الأول.
والآن: ماذا تعرف عن توسعة الثلاث مراحل؟
مع تزايد أعداد زوار بيت الله الحرام أمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز –رحمه الله– بالبدء في مشروع توسعة جديدة تهدف إلى إحداث أكبر توسعة للحرم المكي الشريف، تتناول تطوير الحرم في مختلف النواحي العمرانية والفنية والأمنية.
وقد أعلنت المملكة العربية السعودية أن توسعة “الحرم النبوي الشريف” سينفذ على 3 مراحل تشمل اتساع ساحات الحرم لمليوني مصلٍّ.
تهدف المرحلة الأولى إلى توسعة مبنى الحرم المكي ليستوعب أكبر عدد ممكن من المصلين يتجاوز 800 ألف مصل.
أما المرحلة الثانية فتهدف إلى توسعة الساحات الخارجية للحرم التي تضم دورات مياه وممرات وأنفاقاً، إضافة إلى مرافق أخرى، بهدف تسهيل دخول وخروج المصلين وزوار بيت الله الحرام.
توسعة الحرم المكي المرحلة الثالثة:
تعد توسعة الحرم المكي الثالثة هي الأضخم والأكثر تطوراً في تاريخ المملكة السعودية، وذلك للعديد من الأسباب، من أهمها التالي:
1- السعة والاتساع:
المشروعات التنموية تحدد قيمتها تبعاً لنتائجها ووآثارها والفوائد التي تتحقق منها، ويعد مشروع تسوعة الحرم المكي أحد هذه المشروعات، وإن بحثنا عن آثاره فسنجدها عظيمة بالغة الفائدة، ومن أمثلة ذلك إن بفضل مشروع توسعة الحرم المكي الثالث صار الحرم يتسع لقرابة مليوني مصل تقريباً، وعلى وجه الدقة فمساحة الحرم صارت تسع 1,850,000 مصلٍّ، أما المطاف فقد تمت توسعته على مرحلتين، الأولى لجعله يتسع لعدد 90 ألف طائف، ثم تم تطويره بالمرحلة التالية ليتسع لقرابة 107 ألف طائف.
2- المباني الخدمية:
فائدة مشروع توسعة الحرم المكي لا تقتصر على التيسير على المعتمرين والحجاج فقط، بل إن التوسعات شملت إقامة مجموعة من المباني الخدمية، لتكون بمثابة مكاتب إدارية للإعلاميين، كما تم تخصيص مواقع محددة لوضع معدات الإرسال وكاميرات التصوير وغيرها، كما تمت إقامة ستوديو تلفزيوني وإذاعي متكامل في نطاق الحرم، وتم تزويد محيط الحرم بحوالي 44 كاميرا إضافية، لبث الصلوات ومناسك الحج والعمرة.
3- التأمين:
وسائل التأمين وضعها القائمون على مشروع توسعة الحرم المكي نصب أعينهم، فضاعفوا أعداد وحدات الحراسة الثابتة والمتحركة المنتشرة في نطاق الحرم المكي، كما تم تعزيزها بحوالي 7000 كاميرا مراقبة متطورة منها الثابت والمتحرك، وذلك بهدف تغطية كامل مسطح الحرم المكي بعد توسعته وإحكام المراقبة عليه.
4- الأنظمة الإلكتروميكانيكية:
بعد إتمام مشروع توسعة الحرم المكي انخفضت نسبة الاعتماد على العنصر البشري بشكل ملحوظ، فقد أصبح كل شىء في محيط الحرم المكي يتم التحكم به بواسطة أنظمة إلكتروميكانيكية متطورة، وذلك يشمل البوابات الرئيسية المؤدية إلى المطاف، وكذا أبواب الخزانات الفرعية مثل غرف الاتصالات وغرف جمع النفايات وغيرها.. كذلك أنظمة إنذار الحريق شهدت طوراً كبيراً خلال عملية التوسعة، والأمر نفسه ينطبق على أنظمة التنظيف وأبرزها نظام شفط الغبار المركزي، والذي يقوم بسحب الغبار والأتربة وطردها خارج نطاق الحرم بصفة دورية ومستمرة، وكذلك نظام الصوت Sound System تم تطويره، حيث صار عدد السماعات الموزعة بالتساوي في محيط الحرم المكي أكثر من 4500 سماعة عالية الجودة.
5- السيولة المرورية:
حرص مشروع توسعة الحرم المكي على مضاعفة أعداد زوار بيت الله الحرام، ولكن مصمموه وضعوا آليات وضوابط تضمن عدم حدوث تزاحم أو تكدس نتيجة توافد هذه الأعداد الكبيرة، ومن أبرز وسائل مواجهة هذا التكدس هو مد أنفاق المشاة، والتي يمتد بعضها لأكثر من 5 آلاف متراً بينما عرضها في متوسط 16 متراً تقريباً، وتم توفير وحدات حراسة عند مداخلها ومخارجها، وكذلك إدخال المرافق إليها من كهرباء ومياه وصرف صحي، كما ساهم زيادة عدد البوابات في الحد من التكدس حيث بلغ عدد البوابات المستحدثة 78 باباً أوتوماتيكياً.
وإليكم بعض الصور لإنشاءات التوسعة بالحرم:
ولمعرفة المزيد عن الموضوع تابع هذا الفيديو الوثائقي التعريفي عن المشروع: